أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبشكل مفاجئ عن بدء سحب معظم قواته الرئيسة من سوريا اعتباراً من يوم الثلاثاء15 مارس، بعد تحقيق معظم الأهداف على حد تعبيره القرار الذي أثار موجة من الدهشة والإرباك في المواقف الدولية بشكل عام والعربية بشكل خاص .
وخلال اجتماعه بوزير الدفاع الروسي قال بوتين إن قوات البحرية والقاعدة الجوية الروسية في مدينة طرطوس ستعود للعمل كما كانت قبل التدخل العسكري الأخير.
وقال بوتين إن القوات الروسية الموجودة في سوريا حققت الجزء الاكبر من أهدافها مشيراً إلى أنها أوجدت ظروفا ملائمة للتمهيد لعملية السلام.
و طلب بوتين من وزير الخارجية سيرغي لافروف تكثيف الدور الروسي في عملية السلام السوري .
الانسحاب الذي يتزامن مع عيد الثورة ومع اجتماعات جنيف سيضعف بلا شك حكومة الأسد , ويضعها في مأزق حقيقي بعد الانتصارات التي حققها الجيش السوري والميليشيات المقاتلة إلى جانبه تحت الغطاء الجوي الروسي, ويمارس عليها الضغط للقبول بالحل السياسي الذي ستتفق عليه كل من الولايات المتحدة وروسيا , رغم التطمينات التي قالت الأوساط السورية أن الرئيس بوتين كان قد أعطاها للرئيس الأسد من خلال اتصال هاتفي حيث أبلغه بسحب القوات الروسية, وأنه تم الاتفاق على ذلك بينه وبين الرئيس الأسد الذي قال إنّ التعاون بين روسيا والقوّات السورّية أمّن الانتصار ضدّ الإرهاب وأعاد الأمن إلى البلاد.
ويقوى موقف المعارضة وحلفائها التي عبرت على لسان سالم المسلط ، المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات بأن المعارضة تريد التحقق من تنفيذ القرار الروسي على الأرض .
ولعله من المبكر التكهن بالأسباب والنتائج التي أثارها هذا القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس بوتين , وإن كانت تلوح في الافق دلالات على أن الانسحاب الروسي جاء للحفاظ على المصالح الروسية , والنأي بها عن حرب طويلة الأمد ستشهدها المنطقة في حال استمرار الحرب السورية, بالإضافة إلى انقاذ الاقتصاد الروسي الذي شهد مؤخراً تراجعا كبيراً , وموقف الدول الأوربية الرافض للتدخل العسكري الروسي في سوريا , والضغط على كل من حكومة الأسد وإيران للقبول بمرحلة انتقالية , بعد التصريحات المستفزة التي صدرت عن الحكومة السورية على لسان وزير الخارجية وليد المعلم , ورئيس الوفد المفاوض ” الجعفري ” التي استبعدت فدرلة سوريا وقالت بأن الأسد ” خط أحمر” , وأن الحديث عن المرحلة الانتقالية لا يندرج في ورقة العمل التي حملها الوفد السوري إلى مفاوضات جنيف .
علينا أن ننتظر ما تتمخض عنه اجتماعات جنيف التي بدأت في 15 الشهر الحالي , والتي قال فيها دي مستورا أن الحرب هي البديل في حال لم تتوصل الأطراف المشاركة إلى حل سياسي , وأنه سيحيل الملف السوري إلى مجلس الأمن في حال حدوث ذلك .
لا يمكن في حال من الأحوال أن تضع روسيا نفسها في مواجهة حرب برية كان قد بدأ التحضير لها فعلياً في السعودية وتركيا وبموافقة إيران , التي توافقت مصالحها هذه المرة مع تركيا لمواجهة خطر القضية الكردية , وللعودة إلى الملف السوري بقوة بعد تهميش الروس للدور الإيراني وإقصائهم السياسي عن الملف السوري ,
وكلام لافروف عن ” ضرورة أن يتخذ مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا دي مستورا قراراً بإشراك الأكراد في محادثات السلام ” , الأكراد الذين استطاعوا ومن خلال المساعدات الأمريكية في البداية والروسية من خلال سلاح الجو و التنسيق معه من السيطرة على ما يقارب 10 بالمئة من مساحة سوريا .
لعل الموقف الروسي الأخير عزز الخلاف الروسي الإيراني الذي أصبح واضحاً , فروسيا القلقة من التحالف الأمريكي الإيراني الذي يدار في الخفاء , والذي أطلقت فيه أمريكا يد إيران لتمد نفوذها في البلدان المجاورة كسوريا والعراق والبحرين واليمن , بالإضافة إلى تسوية ملفها النووي جعل روسيا تسعى إلى الحد من النفوذ الإيراني في القضية السورية وجعله ثانوياً , وتقليص الدور الإيراني السياسي في المفاوضات بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا .
الخلاف الروسي الإيراني تجلى واضحاً في تصريحات الرئيس الإيراني روحاني الذي قال ” أن بلاده لا تقبل بتقسيم سوريا ” , في أول رد مباشر على ما اقترحته روسيا من إقامة اتحاد فيدرالي في سوريا قبل ايام حيث ظهر غياب التنسيق بين حلفاء الماضي .
روسيا التي تريد الحفاظ على موطئ قدم لها في الشرق الأوسط وحماية مصالحها وقواعدها العسكرية , لا تعتبر من أولوياتها الحفاظ على الأسد كرئيس لسوريا بل معنية بالحفاظ على نظام الأسد – معه أو بدونه – لضمان هذه المصالح , وهذا ما يبرر إبقاء الروس على قواعدهم العسكرية في حميميم وطرطوس ومنظومة الدفاع الجوي المتطورة على الأراضي السورية , وخروج بوتين بما أسمته الصحف الروسية اليوم انتصاراً في كسر عزلة روسيا الأخيرة وانفتاحها على المجتمع الدولي واتفاقها مع الولايات المتحدة الأمريكية , وبذلك تكون روسيا قد استعادة قوتها ووجودها على الساحة الدولية و حفاظ بوتين على صورته وحمايتها أمام الراي العام في روسيا .
الأمر الذي ترفضه إيران لأنها تصر على بقاء الأسد ومشاركته في الانتخابات القادمة لأن خسارته تعني خسارة نفوذها في المنطقة .
تركيا التي لم يصدر عنها حتى الآن موقفاً رسمياً فيما يتعلق بقرار الانسحاب المفاجئ الذي أصدره بوتين هي أكثر المستفيدين من هذا القرار , فهو يمهد لاستعادة روسيا للعلاقات الجيدة مع تركيا في وقت قريب من جهة , ويمثل انتصاراً للتحالف التركي السعودي وإنهاء للقضية الكردية التي اعتبرتها تركيا تهديداً لأمنها القومي .