فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

حول “القضية الكردية”عدوى القومية (1)

مصطفى أبو شمس

حول “القضية الكردية”عدوى القومية (1)

تعد القضية الكردية اليوم من أبرز القضايا التي ينقسم المجتمع الدولي في النظر إليها والبحث عن حلول حقيقة تقوم على تحقيق تطلعات الشعب الكردي من جهة , وبين الحفاظ على وحدة البلاد التي يعتبر الشعب الكردي جزء من نسيجها , وكثيراً ما استخدمت الأطراف المتصارعة الورقة الكردية لتعميق الخلافات بين الأطراف المتناحرة .

القضية الكردية منذ ظهور التقسيمات التي افتعلتها القوى الاستعمارية في بداية القرن العشرين على  الأسس القومية :

مع بداية القرن العشرين بدأ الإسلام كغطاء سياسي يحتوي في داخله على هذا التنوع الكبير من الديموغرافيات، ويصهرها في بوتقة العقيدة الواحدة، ويحتويها في كيان سياسي موحد بالانحسار والتراجع لصالح الأفكار القومية، والتي بدأت تظهر بشدة على السطح لتحلّ في الدرجة الأولى، متجاوزة التقسيمات الدينية والمذهبية والتي وجدتْ ضالّتها في نشوء الأحزاب القومية التي عملتْ أوروبا على تصديرها للفكرة القومية واعتمدتْها في القرون الوسطى كوسيلة أساسية للخلاص من سلطة الكنيسة، فظهرت القومية في أوروبا للخروج من الواقع الشنيع الذي تكابده المجتمعات من الذل والخوف والقتل الجماعي والأحكام الجائرة التي تركزت في أيدي رجال الكنيسة في ذلك العصر .

ولأن التقدم والحضارة لا يتماشيان مع فكرة القومية، أدركت أوروبا الساعية إلى الهيمنة على مقدرات العالم وخصوصاً “الشرق الأوسط” إلى لفظ الفكرة القومية، وتصديرها للعالم العربي والإسلامي .

بدأت الأفكار القومية بالانتشار في الشرق مع بداية القرن التاسع عشر، لتكونَ بديلاً للأفكار الإسلامية، ونتيجةً لحالة الضعف السائدة؛ ظهرت التقسيمات الجديدة بناء على تلك الأفكار، وتبلورتْ الأيديولوجيات القومية لتأخذ شكلها النهائي في قوميات متصارعة (الفارسية – العربية – التركية ) تسعى من خلالها و”لأسباب تتعلق بالمصالح السياسية والاضطهاد الديني” إلى إجراء تغييرات ديموغرافية وجيوسياسية، جعلت التعدد القومي أو الديني مهدداً بالزوال، ومارست اشكالاً من الاضطهاد القومي أو الديني او المذهبي لخلق انكسارات في العقل السياسي في الشرق، وبناء ديكتاتوريات سعت إلى إثارة تلك القوميات، لتصبح مشكلة حقيقية تجابهها تلك الدول من خلال طمس الهوية القومية للأقليات التي تختلف عن الأكثرية الحاكمة في تلك البلدان .

تمثَّلَ الأكرادُ حالةً من الإسلام العقائدي، ولم يتأثروا بكل الأفكار المذهبية التي طغت على القوميات التي تؤلف العالم الإسلامي في العصور القديمة حتى بداية تشكل الوعي القومي الذي تحدّثْنا عنه، فبدأتْ عدوى القومية تصيب القومية الكردية، وسعت أوروبا إلى ترسيخ هذه الأفكار من خلال الاحتكاك المباشر، وتحريض العشائر الكردية ضد الدولة العثمانية في بداية القرن العشرين خاصة ثم الإيرانية لتتمكن من إضعافهما , ودخلت القضية الكردية منعطفاً جديداً، حيث وجدتْ نفسها مقسمّةً بين أربع دول (تركيا – إيران – العراق – سوريا ) .

المحاولات الأوروبية وجدت لها مكاناً  عند بعض الأكراد الباحثين عن حل للقضية الكردية على الأسس القومية التي سادت في ذلك الوقت، ووجدت الفرصة سانحة بعد خسارة الدولة العثمانية للحرب العالمية الأولى، وبداية تقسيم السلطنة المنهكة من قبل بريطانيا وفرنسا فيما عرف باتفاقية (سايكس- بيكو ) .

أصابت اتفاقية (سايكس – بيكو) )التي كانت عام 1916 على شكل تفاهمات بين فرنسا والمملكة المتحدة ” بريطانيا ” وبموافقة القيصرية الروسية   (الأكراد في مقتل فقد عمق  المجتمعون من تعقيد المشكلة الكردية، وحطموا الآمال في تحقيق حلمهم في تقرير المصير حين استُثنِيَ الأكرادُ من تلك التقسيمات في تحقيق “كردستان”، البلد القومي الذي كانوا يحلمون به، والذي وقع جزء كبير منه تحت السيطرة العثمانية .

الخريطة التي قدمها الاكراد لمؤتمر سيفر وتوضح حدود كردستان كما طالب بها الوفد الكردي برئاسة شريف باشا (انترنت).

اعتمد الأكراد على الجهود الدبلوماسية لنيل مطالبهم وإيصال صوتهم إلى (مؤتمر الصلح 1919) , وقدم الممثل الكردي شريف باشا مذكرتين مع خريطتين لكردستان إلى المؤتمر, وطالب بتشكيل لجنة دولية تتولى تخطيط الحدود بموجب مبدأ القوميات , ثم استطاع شريف باشا إدخال ثلاثة مواد تتعلق بالقضية الكردية في ما عرف بمعاهدة (سيفر1920)  التي أبرمها الحلفاء في باريس .

البند 62 :  تتولى هيئة تتخذ مقرها في اسطنبول مكونة من ثلاثة أعضاء تعينهم حكومات كل من بريطانيا وفرنسا وايطاليا ، التحضير أثناء الأشهر الستة الأولى التي تعقب تنفيذ هذه الاتفاقية ، لوضع خطة لمنح حكم محلي للمناطق التي تسكنها غالبية من الأكراد والتي تقع إلى شرق الفرات والى جنوب الحدود الأرمينية التي ستحدد فيما بعد ، والى شمال الحدود بين تركيا وسورية وبلاد ما بين النهرين ، وفي حالة عدم توافر إجماع في الآراء بصدد أي قضية ، يحيل أعضاء الهيئة المذكورة كل إلى حكومته , ينبغي أن توفر الخطة ضمانة كاملة لحماية الآشوريين والكلدانيين والجماعات العرقية أو الدينية الأخرى في المنطقة ، ولهذا الغرض ستزور المنطقة هيئة مكونة من ممثلي بريطانيا وفرنسا وايطاليا وبلاد فارس والأكراد لكي تتولى تحديد أي تعديل – أن وجد – ينبغي إدخاله على الحدود التركية أينما تلتقي مع الحدود الفارسية وذلك على النحو الموضح في هذه المعاهدة .

البند 63: توافق الحكومة العثمانية من الآن على قبول وتنفيذ القرارات التي تتخذها الهيئتان المقرر تشكيلهما في المادة 62 أعلاه خلال ثلاثة أشهر من تاريخ أخطارها بتنفيذ تلك القرارات .

البند 64: وإذا ما طلب السكان الأكراد في المناطق المحددة في المادة 62 في غضون سنة واحدة من تاريخ تنفيذ هذه الاتفاقية من مجلس عصبة الأمم وأعربت غالبية سكان تلك المناطق عن رغبتها في الاستقلال عن تركيا ، وإذا ما ارتأى المجلس أن هؤلاء السكان مؤهلون للاستقلال وأوصى بمنحهم إياه توافق تركيا من الآن على قبول مثل هذه التوصية ، وتنازل عن جميع حقوقها وامتيازاتها في تلك المنطقة ، وستكون تفاصيل هذا التنازل موضوعا لاتفاقية خاصة تعقد فيما بين تركيا والدول الحليفة الكبرى . وإذا تم التنازل ، لن تعترض الدول الحليفة الكبرى إذا ما سعى الأكراد الذين يقطنون في ذلك الجزء من كردستان والذي يقع حاليا ضمن ولاية الموصل لأن يصبحوا مواطنين في الدولة الكردية المستقلة حديثا .

وكانت النتيجة أنِ اصطدمت البنود الثلاثة برفض “مصطفى كمال” الذي اعتبرها بمثابة حكم الإعدام على تركيا ووضع العراقيل لمنع تطبيقها .

وكان لصعود نجم مصطفى أتاتورك، والتقاء أفكاره بالمصالح الأوربية، الأثر الأكبر في إضعاف احتمال تمكين الأكراد من الحصول على استقلالهم فلم ترَ المعاهدة النور، وألغى أتاتورك كل المعاهدات التي أبرمتها الأستانة بما فيها معاهدة سيفر .

بريطانيا كانت صاحبة اليد الطولى في القضاء على فكرة “كردستان ” من خلال اتفاقية (لوزان 1923)، التي نصّتْ على أن تتعهد أنقره بمنح سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، وضمان الحريات دون تمييز من غير الإشارة إلى الأكراد في أي من بنودها، وعملتْ على إلحاق جنوب إقليم كردستان بالعراق بعد استفتاء شكلي في عصبة الأمم المتحدة .

ولعلّ اتفاقية (لوزان) شكلت بداية الماسأة الكردية الحقيقية، حيث شكلت وثيقة التقسيم لكردستان وإلحاقها بالدول الأربعة مع غياب الأكراد عن الاجتماع واتفاق لوزان الذي ضم ( بريطانيا- فرنسا – ايطاليا- اليابان- اليونان – رومانيا – الصرب والكروات- سلوفينيا ) من جهة،  وتركيا من جهة ثانية .

فكان على الأكراد أن يسعوا لتحقيق دولتهم القومية في مجابهة أربع دول بعد أن تم تقطيع حلمهم القومي بينها .

المقالة القادمة عدوى القومية (2) ستكون عن ” النضال السياسي الذي خاضه الشعب الكردي فيما يسمى بزمن الثورات والأحزاب السياسية “.

مصطفى أبو شمس