في ظل البراميل المتفجرة وانتشار الدمار والقمامة بعد رفضها حكم “نظام الأسد”، تحولت الحياة في حلب، كبرى مدن سوريا، من مدنية صرفة في مرحلة ليست ببعيدة إلى مزيج غريب بين أنماط العيش البدوية والريفية وحتى البرية.
فبعد موجات الهجرة من حلب التي تتالت وازدادت تدريجياً مع زيادة قصف النظام للمدينة، واستخدامه أسلحة فتاكة ذات تدمير كبير (براميل متفجرة وصواريخ أرض أرض)، وقتل عدد كبير من المدنيين. صرت تمشي في الحي الذي كان ذات يومٍ مكتظاً بالسكان، فلا تعد الثلاثين أو الأربعين نفراً. وأكثر ما قد يشد انتباهك بعد مشاهد الخراب وأكوام القمامة، هو انتشار الكلاب والهررة، والقوارض وغيرها من مظاهر الحياة البرية، تعيش بتناغم مع السكان الذين لا يعارضون وجودها بأي حال، طالما أنها لا تشاركهم أقواتهم، فالرزق على الله وليس على غيره. وبصورة تحاكي تطور البشرية في مراحله الأولى، ترى استهجان بعض السكان لبعض الأنعام، فمنها ركوباً ومنها مما يأكلون.
وتتذكر ما درست في كتب التربية الاجتماعية عن البدو وبحثهم الدائم عن الكلأ والماء، حين ترى قطعان الماشية تجوب شوارع المدينة. في حلب المدينة، تبحث الماشية عن الكلأ في الحدائق المهجورة وفي الجزر المرورية، وكذلك عن الماء المتفجر، أعين نضاخة من شبكات مياه الشرب المخربة نتيجة القصف، وهذا يكفي ليسد حاجات البدو من الحلبين. ولأن الطبيعة البشرية تميل للإستقرار، آوى بعض الأسر مع ماشيتها إلى بيوت، وشرًّعت بشق الأرض المشقوقة أصلاً، لتزرعها وتنتج محاصيل الخضروات من بقدونس ونعناع وبندورة وخيار وغيرها، دون إغفال زراعة الأشجار المثمرة. ولم نقف عند هذا الحد، فعمدت هذه الأسر إلى اقتناء الدجاج والفراخ لتأكل البيض واللحم الأبيض.
كل هذه التحولات التي طرأت على حلب، ناتجة عن إصرارهم في الحياة والبقاء، رغم كل الدعوات من “رجال النظام” وفتاوى من شيوخه بقصف المدينة، والتهديد المستمر من “قوات النظام” بمحاصرتها. اضطر سكان المدينة لتهجين المواشي وزراعة الأرض لاستمرار الحياة فيها.
كل هذه التحولات التي طرأت على حلب، ناتجة عن إصرارهم في الحياة والبقاء، رغم كل الدعوات من “رجال النظام” وفتاوى من شيوخه بقصف المدينة، والتهديد المستمر من “قوات النظام” بمحاصرتها. اضطر سكان المدينة لتهجين المواشي وزراعة الأرض لاستمرار الحياة فيها.
وبعدما تشكل النمط الإقتصادي الإجتماعي، القائم على التعايش السلمي بين الإنسان والحيوان، في إحدى أقدم الحضارات البشرية، يحق للحلبيين الفخر بما أنجزوا، “فالويل لأمة لا تأكل مما تزرع أو تدجن”.
عبده الحجي