خليفة الخضر .
اخرج من غياهب موتي الموعود … السجن …. لأرى السماء التي طالما رسمتها وتخيلتها ٦ شهور و١٧ يوماً. عندما تركتها كانت زرقاء! والآن رمادية كئيبة. اخطُ تاريخ نقلي إلى سجن آخر على جدران سجن "المحكمة الإسلامية" في مدينة الباب. أكتب رسالة وهمية بيدي وسرعان ما أمحيها خوفاً من أن يروها، لأخبرها بدنو خروجي، وبحياتي الجديدة التي ستبدأ، هي هذه الحياة تأخذ منك لتعطيك هداياها. أرى الغيوم، وكم تخيلت أن يذبحوني تحت سماء صافية! "هل يذبحوني عند دوار النعيم في الرقة، أم يُعلِّقوني على دوار السنتر في الباب، أم يُصلِّبوني عند دوار السبع بحرات في منبج!". هواجس لا تتوقف. تاه الوالي . "قد تاه الوالي" تصرخ نفسي عندما نقلوني إلى سجن آخر. وعدتها بأننا سنركض في شوارع حلب الجميلة في حال إخلاء سبيلي، وحققت لها وعدي كونها تحب المشي. لم أشعر بالأمان في المحكومية التي حتى الآن لم تنته في الواقع. تسللت عبر الطلاقيات التي صممت ضمن المتاريس المدُشمة خصيصاً لحماية أمنيي ومحققي وسجاني "تنظيم الدولة الإسلامية". مع بزوغ الشمس كنت في الرقة لأكتب تاريخ رحلتي الأخيرة لمدينة الرشيد. أمي التي لم أنس دفء حضنها وحنانه، ولم تفارق أنفي رائحة ثوبها الشتوي. "لكي تستمر الحياة" أعيد وأكرر تلك اللحظة الجميلة في ذاكرتي، أمي، أخوتي الصغار ينظرون إلي وكأنهم لم يصدقوا أني عُدت إليهم، يضحكون ويبكون ويركضون. اختلطت علي الأحداث ولم أعد أدرك أحاسيسي. "هل أنا أحلم"، هنالك فراغ ترابي في المنزل ضمنه هضبة صغيرة، ظننتها قبري. فرح غير مستقر، في بيئة غير مستقرة. أهل الرقة ليسوا هم، والفرات تحول الى نهر أسود منافق كذاب، لم يعد لي ولها مكان لأني لست "مُحرماً"، كما قال رجل "الحُسبة". وعدت أمي على أمل اللقاء في "ديار الكفر" /كل مكان خارج عن سيطرة التنظيم/ كما يطلق عليها عناصر "الدولة الاسلامية". ركبت السيارة التي ستقلني إلى حلب. "حلب يا رب حلب"، هكذا أردد طول الطريق الذي راجعت فيه تاريخ حياتي للمرة الألف. حياتي كم كانت تعيسة، وكم كنت مغرراً بأنصاف الرجال وسفهاء الأحلام هؤلاء. أن تعترف أنك مقاتل ومحرض ضد الإسلام وقيام "دولة الإسلام على منهاج النبوة" الذي فصلوه على مقاسهم، ومرتد عن دين الإسلام بضربة واحد. فهذا أغرب ما في هذه المعمورة! أضحك كلما تذكرت زميلي في السجن فك الله أسره عندما قال: "قلنا في المظاهرات وين الإسلام، قام اجا الإسلام بصبغة مختلفة لا نعرفها، واعتقلنا وذبحنا بالسكين، وأصلاً الإسلام بريء من هؤلاء". عند الحاجز، أُتقن اللهجة السعودية التي تدربت عليها أكثر من 6 أشهر.
_حاجز مطار الطبقة : "أنت من وين ولوين رايح"؟ "شيخ بالله عليك انتساب للأخوة شيخ"، يبتسم ويقول: "امضي في دربك أخي بارك الله بك البيعات تتوالى ما شاء الله"، نضحك أنا وهو، ولكن لكلٍ ضحكته. موعدي الآن مع حاجز تادف الذي وصفوه السجناء بالخبث. عناصر الحاجز يدققون على النساء عسى الله يكتب لأحدهم الأجر بنكاحها وله منا جميعاً عظيم الأجر، لأنه نكح أَمة الله. سائق ابن حلال وقد شكرته أكثر من مرة عندما دخلنا أرض الرِدة بارك الله بها. تجاوزه دون أن يقف عند هذا الحاجز "الخبيث "، حاجز تل جيجان، "لعنة الله عليه" كما قالت نفسي. هو الحاجز الذي رأى الكاميرا في الحقيبة بعد معلومة أتت من جاسوس في حلب ظن أن مفتاح الجنة في حقيبتي: "هنالك كافر مرتد يعمل عميلاً لقناة أورينت سيدخل أرض الإسلام!" حاجز تل جيجان نظر بي وكأن شكلي لم يعجبه، قال: "امضي، امضي، امضي يلي بعده". سيارة أخرى. "أم حوش" اسم قرية جديد دخل في قاموسي. على طول الطريق بين حاجز تل جيجان وبين ام حوش: "هل دخلنا ديار الرِدّة؟" يقول السائق :"لا والعياذ بالله، دخلت ام حوش"، وأول مرة أسمع بها وكم أحببت هذه القرية المرتدة أيضاً، لأنها لم تجر أرضها وتدخل أرض الخلافة. رأيت بسطة لبيع السجائر، حمراء طويل، كلواز أحمر، جتنان، ميكادو… اووووووووووه، تنفست الصعداء رغم أنني لست من المدخنين، ولكن بسطة دخان كانت كافية لكي أشعر بالأمان .