فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

حقنة تخدير باسم الهدنة

حقنة تخدير باسم الهدنة

رعد اطلي.

 

لم يرق للتحالف الجديد من نوعه بين الروس والأمريكان عودة النبض السلمي للثورة السورية، وظهور السوريين ثانية بذات التصميم الذي انطلقوا فيه في اليوم الأول لثورتهم، بعد الهدنة التي أعلنا عنها في نهاية شهر شباط، والتي قسمت المناطق المحررة إلى مناطق مستباحة وأخرى مستثناة من القصف لم تؤت أُكلها على الأرض في نشوء صراع بين الفصائل المقاتلة نتيجة لإضعاف طرف دون آخر كما توقع الأمريكان.

 

ومع بداية شهر نيسان بدأت العملية من قبل "نظام الأسد" وروسيا ضد مدينة حلب تستدعي عدة أهداف أهمها زيادة عدد المهجرين من المدينة للضغط على تركيا والاتحاد الأوروبي من خلفها، وبدأ "نظام الأسد" و الروس بإحراق المدينة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلم يتركوا مكاناً قد حرمته قوانين الحروب وأخلاقياتها إلا وهاجموه، من المناطق السكنية إلى المشافي و خطوط إمداد المياه ، و مراكز الدفاع المدني وغيرها من المراكز والمناطق التي توصف مهاجمتها بجريمة حرب ضد الإنسانية حسب القانون الدولي.

صمود المدينة هدم كل المخطط الروسي الأمريكي حيال الوضع في حلب، ترافق هذا الصمود مع حملة عالمية بدأها نشطاء سوريون و تضامن معهم غير سوريين على مواقع التواصل الاجتماعي والميديا، حملة فشلت القوى المعادية في الطرف الآخر من صدها، و أظهرت قدرة متطورة ورائعة في إنتاج الصورة والتعامل معها، وتضامنت أعداد كبيرة من المواطنين في شتى أنحاء العالم نصرة للمدينة وحملتها  "حلب تحترق"، ووجد الأمريكيون الذي لم يكونوا صامتين حيال العملية أنفسهم أمام قضية رأي عام عالمي استطاعت الثورة أن تنتجه لأول مرة منذ خمس سنوات، وقرروا أن يزيدوا من المناطق التي شملتها الهدنة الجديدة حول ريف دمشق وريف اللاذقية لتشمل حلب، ولكن هل نفذوا ذلك فعلاً؟ كل ما فعله الأمريكيون أنهم أعطوا الرأي العام الذي تحرك لأجل المدينة حقنة تخدير باسم الهدنة.

منذ أن أعلن البيت الأبيض عن أن الهدنة ستشمل حلب في الخامس من أيار الجاري وما زال شلال الدم مستمراً في المدينة، وحلب ما زالت تحترق، كما أن الأيام الأخيرة شهدت تشديد القصف من قبل الروس وطيران الأسد وخصوصاً على طريق الكاستيلو الشريان الوحيد لمدينة حلب في الداخل، و ما زال أهل المدينة مصممون  على الصمود والبقاء في المدينة وعدم الخروج منها.

 

هذا الصمود يدفع الشعب ثمنه غالياً، فليس من السهل أن ترى ابنك يتقطع أمام عينيك وأنت تجمع أشلاءه من على جدارن بيتك المحطم وتصرخ بأنك صامد، وليس سهلاً أن تسمع صوته من تحت الأنقاض وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وأنت لا تملك ما يساعدك في رفع الأنقاض عنه، يدفع أبناء المدينة حتى اليوم دماءهم ثمن عنادهم في وجه نظام مجرم يدعمه أعتى قوتين في العالم متمسكين بكرامتهم وإنسانيتهم، فهل ترى أيها الجالس بعيداً في خروجك ببعض المظاهرات المتضامنة معهم، وبعض الخواطر التي تكتبها على مواقع التواصل، أو أن تلون صفحتك الشخصية باللون الأحمر أمراً كافياً، وبأنك قمت بما يجب عليك أن تقوم به؟! 

قتل نظام الأسد في سوريا خلال السنوات الخمس من الثورة عقوبة على تهمة المطالبة بالحرية أكثر من نصف مليون شخص، بحدود المائة ألف ضحية في السنة، أي ما يفوق ثمانية ألاف وثلاث مائة ضحية في الشهر، اي ما يقارب مائتان وسبعون ضحية يومياً، هل لك أن تتصور أنك تعيش بعالم فيه مجرم يقتل كل يوم مع أفراد عصابته هذا العدد طيلة خمس سنوات دون أن يأخذ يوم عطلة؟ هكذا أمام ناظريك وناظري العالم، دون أن يفكروا في التخلص منه، بل يعملون على دعمه وتأييده، يقتلهم بعد خمسين سنة من وضع ما يسمى ميثاق "حقوق الإنسان" واختراع "الأمم المتحدة" وبدعم المطلق من مهندسي الميثاق والأمم، هل ما زلت تعتقد أن الأمر لا يمسّك أياً كان مكانك، أن ترى مجرماً قد أطلقت يده في رقاب البشر لينهي حياة مئات الأشخاص منهم يومياً، ثم ماذا؟! تجتمع قوتين عالميتين لمناصرته تقوم الأولى بمساندته في الإجرام بشكل مباشر، في حين تطلب منها الأخرى أن لا تتوقف عن القتل، هل ترى أن كل هذا لا يتطلب منك أكثر من مظاهرة هنا أو رفع لافتة هناك؟ هل ترى نفسك غير قادر على  أن تفعل شيئاً آخر؟ قد لا تستطيع فعل شيء آخر، لكن لتتنازل عن صفة تنسبها لنفسك كما قال أحد مواطني المدينة "لا بأس بأن لا تفعل شيئاً، ولكن لا تسمي نفسك إنساناً" يشير هذا القول للنظرة المتشائمة التي بات يرى فيها أبناء حلب باقي سكان المعمورة، باتوا يرونهم بغرائزهم البهائمية التي لا تلتفت إلا إلى إشباع غاياتها ومصالحها، وهم يشكرون على مضض كل من خرج في مظاهرة هنا ومناصرة هناك للتضامن معهم، لكن ليتأكد الجميع أن أبناء المدينة التي تنساب دماؤهم يومياً من حنفية الأسد غير مقتنعين بالجهد الذي بذلتموه، بل يرونه أقل من المطلوب بكثير.

أبناء المدينة اليوم لا يستنجدون أحداً ولا يطالبون بنصرة أحد لأنهم بدؤوا يعتادون الصمود بمفردهم، مهما بلغت التكلفة، لأنهم قرروا أن لا يتخلوا عن أهم ما يمتلكه الإنسان، كرامته، ولكنهم يتساءلون هل ستفعلون شيئاً؟ ليس لأجلهم، بل لتنقذوا إنسانيتكم، فقد علمتنا التجارب مع المدن العظيمة، وحلب تعتبر من أعظمها، بأن تلك المدن لا تموت، ولكن سيتعلم أبناؤها في كتب التاريخ في مدارسهم يوماً بأن المدينة تعرضت في بدايات القرن لاستباحة مجرم ناصرته القوى العظمى ضمن صمت بهائمي لسكان الأرض.