فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

“الأولويات” في حياتنا السورية

في مفهوم الأولويات نختلف بطريقة تعاطينا مع الأفكار، لا يمكن أن نضع سلماً واحداً نتفق عليه، ففي الوقت الذي نواجه فيه فايروس كورونا على سبيل المثال، نجد التوعية أولوية، ونصطدم في كل مرة حول أهمية هذه التوعية إن لم تتوافر أدواتها، تأمين الصابون والمعقمات والكمامات وو، مقابل توفير المياه أو مراحيض ليست عامة ولا يقف الأهالي طوابير على صنبور مياه إن توفرت، تأمين بطارية كهرباء لإشغال “لدّ” ألا يعتبر أولوية، إذن علينا أن لا ننسى في زحمة الأولويات تلك التي كانت منذ وقت قصير تتصدر قوائم تفكيرنا، والتي أيضاً لم نفلح بإيجاد حل جذري لها، يشبه الأمر توزيع الجهود، يخطر في بالي علبة الدهان الصغيرة التي حرنا في استخدامها، هي لا تكفي إلا لتغطية جزء صغير من الحائط، فهل من الأفضل أن نغطي العيوب الكثيرة المنتشرة في الغرفة، أم البدء بالجزء الأول لنكمله إن أتيحت لنا الظروف، كلا المشهدان لن يحل المشكلة وهو جوهر ما نصارعه في مواجهة الهشاشة في كل القطاعات السورية (الصحة -التعليم -الحياة العامة -العمل والقائمة تطول..)

يوميات “كورونية” في سوريا

نصيحة أخيرة على شكل أمر
ابتعد عن ما يدور في ذهنك والذي نقلناه أعلاه، وحافظ علينا لنستمر، أرجوك أن تلتزم بيتك أوخيمتك وتتبع النصائح والإرشادات الطبية وهي كثيرة ولا بد أنها وصلت إليك، كل ما سبق باستطاعتك فعله من جديد عند انتهاء الوباء وبقائك حياً.

هل حقاً عشت ثورة

في الطريق، غرف وأخبار للمعاناة، أحزاب ودين وقوميات، رجال عاجزون وخيام مهترئة ومدافئ مطفأة، ونساء تلملم ضعفها أمام أطفالها، حدود وطرق ومعابر، دول ومناخات وجغرافيا بعيدة.
وفي الطريق يقين لا يحكمه المنطق بالنصر، وهواء يفصل بين برزخين من الذل والكرامة، ونساء يزرعن أصص الورد على أبواب الخيام، ورجال يبحثون عن الموت ليحيا أطفالهم، تلك ثورة سيندم من لم يعشها، ستحكي عنها الجدات لأحفادهن، ويتعلق طفلك برقبتك وهو يسألك بحب، هل حقاً عشت ثورة

لنردد الشعار

لم تكن الثورة السورية حدثاً اعتيادياً، خاصة وأنها في بداياتها الأولى قلبت هذه المفاهيم، بات لكل من لحق ركبها سيرته الذاتية وصوته الذي يستطيع من خلالهما قول ما يريد، إسقاط الهالة المقدسة حول شخصيات ما كان يجرؤ أحد على انتقادها، كذلك الأمر بات من المسموح المقارنة، اعتقال يقابل اعتقال ونضال يقابل نضال، وشاي مقابل القهوة، وحياة مقابل حياة، والأهم من ذلك نجاح مقابل فشل.

علينا أن نجمع الذاكرة

تراهن الديكتاتورية على النسيان، يساعدها في ذلك كثرة واختلاط الأيام التي عشناها، أحياناً وربما دائماً نختلف حول مشهد واحد. “تتذكر” نبدأ أي حديث مع صديق قديم أو عابر سبيل يحمل لغتنا ذاتها ووجعنا نفسه، يجاملك بـ “إي”، ويحاول جاهداً أن يوافقك الرأي دون جدوى، قبل أن يعيد عليك الجملة ذاتها “تتذكر” مرة أخرى، وعليك وقتها أن ترد الدين وتهز رأسك بالموافقة.

الكتابة خارج معرة النعمان

تظهر في الصور المتداولة من هناك وجوه أمهاتنا وهي تبكي عجزها، رجالها العاجزون وهم يودعون جدران بيوتهم، مشهد لأم تمشي رفقة زوجها إلى المجهول وبأقدام متعبة بعد أن عزَ وجود واسطة نقل، مسنة تغطي قهرها بغطاء لتدفئ قطة تحتضنها وهي تمسح دمعاً من الكبرياء في تجاعيد وجهها المتعب، جثة مردومة تحت الأنقاض بانتظار من يدفنها، توقف لقلب رجل يحسده الناس على موته، فهو لم يجرب حياة “الخيام والعراء”، شباب يلتقطون لأنفسهم صوراً فوق ما تبقى من ذاكرة المدينة، في الصورة تبدو وجوههم غائمة بعد أن فشلوا في رسم ابتسامة لصورة يحملونها معهم في رحلتهم الطويلة، وأطفال يسألون بـ “أمانة” أن يكون آباؤهم على قيد الحياة.

“هوامش المقريزي”.. التاريخ في خدمة الحياة اليومية

انحاز عيسى في كل كتاباته إلى الشعب باعتباره الفاعل الأبرز في العملية التاريخية، مؤمناً بقوته وقدرته على مواجهة ما وصفهم عيسى في كتب كثيرة بـ “أعدائه”.
قد أختلف مع الكاتب في وجهة نظره حول التاريخ والفاعلين فيه والمفاهيم التاريخية التي ينطلق منها، هذا حق أصيل للقارئ مثلما الانحياز هو حق أصيل للكاتب. في رأيي لم يؤثر ذلك على “موضوعية” صلاح عيسى المتمثلة في بحثه الدؤوب وتجميعه لروايات عديدة للأحداث في عملية استغرقت سنوات شاقة في بعض الكتب، ولعل هذا أمر مشجع للقارئ بأن يبحث ويخلق لنفسه روايته هو الآخر وانحيازاته.
قد يكون مناسباً استذكار مقطع للمفكر الماركسي الروسي جورجي بليخانوف، يشرح المفكر الأبرز للحركة الماركسية الروسية رأيه في الموضوعية والحياد قائلاً “وحيثما يكون على المؤرخ وصف الصراع بين قوى اجتماعية متضادة، فإنه سيتعاطف حتماً مع طرف أو آخر، ما لم يكن هو ذاته قد أصبح متحذلقاً بغيضاً، ومن هذه الواجهة سيكون ذاتياً سواء تعاطف مع الأقلية أو الأغلبية. لكن مثل هذه الذاتية لن تمنعه من أن يكون مؤرخاً موضوعياً كاملاً إذا لم يبدأ في تشويه تلك العلاقات الاقتصادية الواقعية التي نمت على أساسها القوى الاجتماعية المتصارعة”.

“ذبابة في الحساء”.. تشارلز سيميك في الزمن السوري

في أكثر من موضع في الكتاب، اعتبر سيميك نفسه محظوظاً. يروي أن عائلته لم تلقى كماً من العذابات التي لقيها الآخرون، ويروي أنه في النهاية حصل على ملاذ آمن ووطن جديد يشعر نحوه بالحب الشديد. أنا أيضاً أرى سيميك محظوظاً عندما أتابع تطورات النزوح السوري. من الغرق في البحر والموت من البرد على الحدود وصولاً إلى طلب الدول التي نزح إليها السوريون بعودتهم واصفة سوريا الآن بأنها “آمنة”. عودوا فالبلد أصبح رائعاً حتى مع وجود “آثار جانبية” للعودة كالموت من القصف الأسدي/الروسي أو الاعتقال في أقبية سجون النظام! لا يهم، المهم أن تعودوا بأي ثمن ولو كان جثثكم.
هناك سبب آخر يجعلني أعتبر سيميك محظوظاً، وجد سيميك الفرصة ليتملك روايته ويعيد سردها أمام العالم. كطفل شاهد على الحرب ومشارك فيها كنازح ستبقى شهادته صرخة أمام العالم لتقول لنا ما حدث. الآلاف من الأطفال السوريين لا يمتلكون واقعياً تلك الفرصة، تملك التاريخ وطمسه هو أحد الأسباب الرئيسية لحرب الإبادة من النظام. يصل سيميك في النهاية للحنين لأيام الحرب والقصف في بلغراد، كم هو محظوظ في أعين الملايين السورية!