فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الاستاذ “ويس”

الاستاذ “ويس”

 

 محمود عبدالرحمن .

 

لم تكن مدرسة اكثر مما كانت معسكراً تأديبياً . الاجتماع الصباحي بالزي العسكري الموحد لكلا الجنسسين و الشعارات الحزبية و عهدنا "أن نتصدى للامبريالية و الصهيونية و الرجعية ونسحق اداتهم عصابة الاخوان المسلمين العميلة " هذا ما كنا نردد كل صباح دون ان افهم هذه المصطلحات كنا نرددها بعد إيعاز المدربين العسكريين الذين انتدبوا من الخدمة الالزامية لتدريبنا في المدارس ,كل ذلك لم يكن مختلفاً عما نفعله أثناء خدمتي الإلزامية في الجيش حتى العقوبات الجسدية كانت متشابهة .

مدرسة المعلم العربي التي كانت تحصل في كل عام على المرتبة الاولى بحلب لم أعلم إلى اليوم لماذا . ربما في إنصياع الطلاب للأوامر خوفاً من الضرب الذي كان الكل مفوض به , أو في التمييز السافر بين أولاد الأغنياء المعروفين من قبل إدارة المدرسة و أبناء الفقراء , أو في أسلوب مدرس الرياضيات الذي كان يصب اهتمامه على الطلاب الذين يتبعون دورته الخاصة و يهمل الاخرين .

 تسلمت الآنسة رويدة إدارة هذه المدرسة منذ سنين و لطالما تباهت أن بعض طلابها اليوم أطباء و مهندسين و أنها تدرس بعض أبنائهم الآن , وانضم إليها مؤخراً الاستاذ "ويس" و هو قريبها الذي إتخذ من أسلوب الضرب و التخويف بكل شي ممكن وسيلة لضبط المدرسة , و كان له ذلك بتشجيع بعض الأهالي فلم تكن عبارة "اللحم إلك و العضم إلنا " غريبة عن المدارس .

كان أحد أساليب التخويف التي اتبعها الأستاذ ويس هو التهديد بفروع الأمن و الشرطة كما فعل قبل يوم من المسيرة الكبرى بحلب تأييداً لتجديد البيعة لحافظ الاسد , كان يتجول بين الصفوف فنقف عند دخوله كجنود نازيين أمام هتلر نراقب أنفاسنا  "بكرا المسيرة و الأمن السياسي رح ياخد التفقد هون و بساحة التجمع و الغايب رح يتحاسب هو وأهلو ".

أمضيت الليلة متقلباً محتاراً في ما أفعل لم تكن المشكلة أنها مسيرة من أجل حافظ الاسد كان ذلك آخر همي و أنا في الصف الأول الإعدادي , لكن الجو بارد و الطريق طويل إلى ساحة سعد الله الجابري حيث كان مقرراً التجمع .

في النهاية قررت الذهاب إلى المسيرة و تجنيب نفسي و عائلتي مخاطر المساءلة القانونية عن غيابي و كنت أظنها أمر طبيعي يحدث في كل دول العالم , و إلا كيف تخرج كل تلك المسيرات ؟

كان كل تجمع بالنسبة لي مسيرة أما المظاهرة فلم تكن في قاموسي , إلا عندما سمعتها من التلفاز و قال لي أبي أنها تحدث في البلدان التي يحكمها حكومات سيئة  فينظم شعبها مظاهرات ضدهم "بس عنا مافي غير مسيرات " هكذا ختم أبي حديثه وفهمت منه أن حكومتنا ليست سيئة و لسنا بحاجة للمظاهرات .

وصلت إلى المدرسة قبل الموعد المحدد و كم شعرت بالغباء حين وجدت أن الأستاذ "ويس" هو من يتفقد الطلاب , لم تأتي دوريات الأمن السياسي كما قال , لكنه أعاد تهديده بأن الأسماء سترفع للإدارة السياسية مرفقة بالتفقد الذي سيجريه في الساحة .

انطلقنا في الثامنة صباحاً باتجاه ساحة سعد الله وسط المطر الغزير و البرد القارص سيراً على الاقدام تعبيراً عن مدى حبنا ووفائنا لقائدنا , و تحت حراسة مشددة من المدربين كي لا يهرب أحد من الطلاب و صلنا الى الساحة الكبيرة و لم أفكر بالهرب خوفاً من التفقد الثاني , و لكن عندما وصلنا شعرت بالغباء أكثر من المرة الأولى فكيف لهم أن يسجلوا اسماء كل هذه الآلاف الموجودة هنا .

قررنا أنا وصديقي الإنسحاب ويجب أن نعود سيراً ايضاً , فجميع الطرق مغلقة بسبب الإحتفالات و المسيرات بهذا اليوم العظيم . وصلت إلى البيت في الواحدة ظهراً وذهلت أمي لمظهري و أنا مبتل كلياً و أرتجف كمحموم , و سارعت لتنفيذ أوامرها بالإستحمام و تبديل ملابسي و جلست قرب المدفأة أشرب الشاي و أتابع المسيرة عبر التلفاز مواسياً نفسي بأني لست الغبي الوحيد في المدينة فكل هؤلاء ينتظرون التفقد الأمني , ولكن الأغبى كان المذيع الذي يعلق على المسيرة مهللاً بأن الملايين خرجوا في هذه اليوم البارد رغم المطر الغزير بملئ إرادتهم لدعم الرئيس و عللت ذلك بأنه لا يعرف الاستاذ "ويس".