خلال عقد من الزمن، تعرضت المرافق العامة في سوريا للاستهداف والقصف، ما تسبب بخروجها عن الخدمة، تاركة أثرها على حياة ملايين السكان الذي عانوا من الحصول على الخدمات الإنسانية، وأهمها الصحة والتعليم، كما أدى القصف لنزوح مئات آلاف العائلات، وحرمانهم من مقومات الحياة الأساسية، إذ بات الوصول إلى المشفى، على سبيل المثال، أمراً محفوفاً بالمخاطر، إضافة لبعد المسافة والكلفة العالية وندرة الاختصاصات الطبية بعد توقف العديد من هذه المنشآت عن العمل بسبب الاستهداف.
وفي إطار توثيق هذه الهجمات، أطلق الأرشيف السوري، اليوم الثلاثاء، تقريراً تضمن أدلة حول أزيد من أربعمائة ضربة استهدفت نحو مئتين وسبعين منشأة طبية في سوريا، ضمن “قاعدة بيانات محقق منها، وقابلة للبحث والتصدير”، دعماً “للعدالة والمساءلة في انتهاكات حقوق الإنسان، والجرائم الخطيرة الأخرى في سوريا”.
وكان باحثو الأرشيف السوري قد تحققوا من نحو ألف ومئتين وستين مقطع فيديو، تخص هذه الهجمات، حاولوا من خلالها تقديم مورد موثق حول “الاستهداف، نوعه، الأضرار الناجمة عنه، الجهة المسؤولة، الضحايا والإصابات، الجناة، الأثر على حياة المدنيين”.
وأثبت التقرير استهداف قوات النظام وروسيا للمنشآت الطبية في سوريا، ومسؤوليتهم كـ “جناة مزعومين” عن ٩٠٪ من الضربات الموثقة، كما صنف التقرير النسبة ذاتها تحت وسم “خصائص الهجوم المستهدف”.
وخلص التقرير إلى أن ما عدده مئة وواحد وتسعون من الهجمات الموثقة كانت على منشآت طبية “معروفة بالواقع”، وحددت هذه المعرفة بـ “الدراية المسبقة بتواجد المنشآت الطبية قبل ٢٠١١، أو هوجمت بعد مشاركتها مع الآلية الإنسانية لتجنب النزاع والتي أسست في العام ٢٠١٤”.
وأوضح التقرير أن دراسة هذه الهجمات تشير إلى أن استهداف المنشآت الطبية كان جزء من استراتيجية قوات النظام وروسيا خلال الحرب السورية للسيطرة على مناطق المعارضة، واستخدمت لهذا الغرض أسلحة غير مشروعة في اثنين وثلاثين استهدافاً على الأقل.
وقسم التقرير الضربات، بحسب وسومها، إلى “مباشرة ومزدوجة ومتعددة ومستهدِفة، ومنطقة نائية، إضافة للنمط التجميعي والذي يشمل استهداف منشآت طبية في بقعة جغرافية محددة بعشرة كيلو مترات، وبزمن محدد: ستة أيام”.
إضافة لخروج معظم هذه المنشآت عن الخدمة فقد أكد التقرير وقوع ضحايا في نصف هذه الهجمات على الأقل، وأن ٩٥٪ منها فاقمت الأذى الذي لحق بالمدنيين، وتسبب بإعاقة وصولهم إلى العلاج المناسب، أو نزوحهم من المنطقة.
ويحظر القانون الدولي استهداف المدنيين والمنشآت المدنية، ومنها المشافي والمرافق الطبية التي يجب أن تتمتع بحماية خاصة بحكم وظيفتها، كما أقر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأن الهجمات الموجهة عمداً ضد المستشفيات والأماكن التي يجمع فيها المرضى والجرحى، تشكل جرائم حرب في حكم القانون الدولي، شريطة أن لا تكون أهدافاً عسكرية.