فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

"كاسة شاي" -المصدر: انترنيت

بعد تضاعف سعرها: الشاي حكر على موائد الأغنياء في سوريا

محمد الأسمر

مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية (يبلغ سعر الصرف نحو ١٨٠٠ ليرة لكل دولار واحد وسطياً خلال الشهر الحالي) تضاعف سعر الشاي ليغدو الحصول عليه أمراً بالغ الصعوبة، إذ يتراوح سعر الكيلو غرام الواحد منها نحو ثلاثة عشر ألف ليرة سورية، وتحتاج العائلة وسطياً لنحو كيلو غرامين شهرياً، وهو يزيد عن ضعف ما كان يباع به قبل أشهر قليلة، إذ كان سعر كيلو غرام الشاي في العام ٢٠١٩ وسطياً نحو أربعة آلاف وخمسمائة ليرة سورية.

يعرف الشاي بحسب معجم المعاني الجامع بـ “نبات يغلى ورقه ويشرب محلّى بالسكر في المعتاد، ينبت في أصقاع من آسيا”، ويمثل في الكثير من البلدان مشروباً شعبياً بعد أن كان حكراً على الأغنياء نتيجة ارتفاع ثمنه في السابق، وتعتبر الصين أكثر الدول المنتجة له وتغطي نحو ٤٠٪ من احتياجات السكان في العالم، أما في سوريا فمعظم الشاي الذي يصلها يستورد من سريلانكا، ويعرف بالشاي السيلاني، وتغيب زراعته فيها رغم ملائمة أراضيها ومناخها لهذا النوع من الزراعة.

مشروب الشاي تاريخه ووصوله إلى البلدان العربية

تورد دراسة اعتمدت على كتاب “حكاية الشاي” إن هذا المشروب لم يدخل البلدان العربية الآسيوية حتى القرن التاسع عشر، رغم أن تاريخه يعود إلى ثلاثة آلاف سنة مضت، وإنه دخل بداية إلى العراق عبر الشركات البريطانية من البصرة، وهو ما يفسر إطلاق العراقيين على كوب الشاي اسم “استكانة” اشتقاقاً عن العبارة الإنجليزية (ايست تي كان)، كذلك في مصر إذ عرفت الشاي مع الضباط البريطانيين في العام ١٨٨٢، وأصبح مشروباً نخبوياً مقصوراً على العائلات الارستقراطية والملكية، قبل أن يتحول بمساع من الشركات البريطانية إلى مشروب شعبي، ويعود لهدايا المبعوثين الفرنسيين التي قدمت كفدية للسلطان المغربي والتي كانت تتضمن أكياساً من الشاي في القرن الثامن عشر الفضل في دخول الشاي إلى المغرب.

وكانت تجارة الشاي محتكرة من قبل شركة الهند الشرقية البريطانية حتى العام ١٨٣٤، قبل أن تسيطر على هذه التجارة الشركات الأمريكية وكوريا الجنوبية حيث تمتلكان أهم وأكبر ماركات الشاي العالمية، بحسب الدراسة.

ويعود اكتشاف الشاي للصين، وتذكر الدراسات التاريخية أن أحد الأباطرة ويدعى “شن نونغ” اكتشفه عن طريق الصدفة إذ كان ماهراً بزارعة الأعشاب ويجري العديد من التجارب عليها من أجل تمييز الأعشاب الطبية التي يمكن للناس تناولها عن الأعشاب الضارة والسامة، كان شن نونغ يجوب المناطق الجبلية ويختبر الأعشاب بنفسه.

وذات يوم شعر بالتعب بعد أن تناول عشباً ساماً، فجلس تحت ظل شجرة كبيرة للراحة، فرأى أوراقاً قد تساقطت من الشجرة بفعل الرياح فدفعه فضوله لالتقاط ورقيتن منها ومضغهما فوجد طعمها جيداً، وساعدته في الشفاء من آثار التسمم فجمع بعض الأوراق وأجرى عليها بعض الاختبارات ثم أشاع استعمالها بين الناس، بحسب ما أورده موقع الصين اليوم.
وتنتج الصين عدة أنواع من الشاي منها الشاي الأسود والأخضر والداكن والأبيض وتتصدر دول العالم بإنتاج الشاي إذ يبلغ حجم إنتاجها نحو ٢.٥ مليون طنًا سنويًا تليها بالترتيب الهند وكينيا وسريلانكا وتركيا.

خلاف حول شاربي الشاي

لم تحرم الشاي بداية ظهورها كما حدث لشاربي القهوة في البلدان العربية، إلا أن الكنيسة في أوروبا حرمتها في القرن السادس عشر، وهاجم الشعراء والأدباء وأعلنوا الحرب على شرب الشاي الذي يفسد الأخلاق ويضعف اليد العاملة، بحسب ما ورد في كتاب “٢٠٠ يوم حول العالم”، ويورد الكتاب أن المجتمع الإنجليزي وصف أديب إنجلترا  الدكتور “جونسون” بـ “رجل لا يستحي من إدمانه على شرب الشاي وتناوله علناً أمام النساء!”. بينما لم تذكر الكتب خلافاً حول الشاي في البلدان العربية.

الشاي مشروب السوريين الأول

تتقاسم الشاي مع القهوة صدارة المشروبات السورية، إلا أنها تفوق الأخيرة لاعتماد السكان على شربها في مختلف الأوقات، فهي من أساسيات موائد الفطور والعشاء، و”يحبس” بها بعد الغداء وخلال العمل، وتقدم كضيافة واجبة في البيوت، غالباً ما تترافق مع المكسرات أو المعجنات.

وإن كان شرب الشاي قد بدأ عند بعض الطبقات الأرستقراطية في العالم إلا أنها تحولت إلى مشروب عمومي، للكبار والصغار في مختلف البلدان. ويمكن وصفها في سوريا بالشراب الأكثر شهرة، يشربه الكثير من الأشخاص، بنسبة أقل من “الجار التركي”، والذي تحول فيه شرب الشاي إلى علامة فارقة نهل منها كثير من اللاجئيين السوريين خلال سنوات اللجوء في تركيا وتطبعوا بطباعهم.

وللشاي في ذاكرة السوريين أغانِ  وأوصاف تستخدم للتغزل بها كـ “أكرك عجم -شاي خمير -دمعة” وغيرها من الصفات، وتغلى بطرق مختلفة بحسب المناسبة، كشاي الفطور “الخفيف” وشاي السهرات “الثقيل والأسود”، أما في الرحلات و”السيارين” فلا بد من “الشاي المغلي على الفحم أو الحطب”.

ويبلغ استهلاك الفرد السوري من الشاي نحو 1.716 كيلو غرام سنويا، إذ يتصدر قائمة المشروبات الساخنة، بحسب بيانات وزارة الاقتصاد التي نشرها موقع الاقتصادي في العام ٢٠١٠، بينما بلغت واردات سوريا من الشاي في العام ٢٠١٦ نحو ستة آلاف طن تقدر قيمتها بنحو خمسة عشر مليون وثمانمائة ألف يورو.

الشاي يتخلى عن السوريين

يرتبط سعر الشاي في سوريا بالدولار، إذ يأتي عبر الاستيراد من سيرلانكا بنسبة ٩٢٪، بينما تستورد بعض الأصناف من دول عديدة أهمها فيتنام، وتدخل إلى مناطق المعارضة عبر المعابر مع مناطق النظام، في حين تدخل بعض الكميات عبر الحدود التركية.

ومع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية (يبلغ سعر الصرف نحو ١٨٠٠ ليرة لكل دولار واحد وسطياً خلال الشهر الحالي) تضاعف سعر الشاي ليغدو الحصول عليه أمراً بالغ الصعوبة، إذ يتراوح سعر لكيلو غرام الواحد منها نحو ثلاثة عشر ألف ليرة سورية، وتحتاج العائلة وسطياً لنحو كيلو غرامين شهرياً، وهو يزيد عن ضعف ما كان يباع به قبل أشهر قليلة، إذ كان سعر كيلو غرام الشاي في العام ٢٠١٩ وسطياً نحو أربعة آلاف وخمسمائة ليرة سورية.

الصورة لأبي بسام يشرب الشاي في خيمته -فوكس حلب
الصورة لأبي بسام يشرب الشاي في خيمته -فوكس حلب

يقول أبو بسام وهو أحد عشاق شرب الشاي يسكن في مخيم بلدة كفريحمول (شمال إدلب) إنه يحتاج لنحو كيلو غرامين شهرياً من الشاي له ولعائلته، وفي ظل الأسعار الحالية يعتبر تأمين ثمنها مكلفاً  لمعظم العائلات السورية التي تعيش تحت الفقر.

يخبرنا أبو بسام أن علاقته مع الشاي مميزة وإنه يستهلكها بمعدل يفوق ماء الشرب، إذ يشرب يومياً نحو أربعين كأساً منها، ليتفوق على معدلات شرب المواطنين الأتراك منها والتي تقدر بعشرة أكواب يومياً بحسب تصريح لرئيس غرفة أصحاب المقاهي الشعبية في مدينة إسطنبول التركية “سردار أرشاهين”.

يقول أبو بسام إنه يشرب الشاي بهذا الشكل منذ أكثر من أربعين عاماً، ولطالما حاول من حوله نصحه بالتخفيف من شرب الشاي خوفاً من تعرضه لأمراض عصبية قد يتسبب بها الإسراف في شرب الشاي إلا أنه لم يستجب لنصائحهم، لكن أبو بسام لا يمكنه الاستغناء عن مشروبه الرسمي.

في شهر رمضان يعمل أبو بسام على تجهيز إبريق الشاي بنفسه ومع أذان المغرب يتناول كوبه الأول فتعلقه به جعله أول متطلباته، وهو ما دفعه للسهر بشهر رمضان حتى ساعات السحور ليستغل وقت الإفطار بشرب الشاي ولينام خلال النهار ولا يشعر بفقدانه والذي يراه أولوية أكثر من السيجارة التي يدخنها.
يستطيع أبو بسام تمييز نوع الشاي الذي يشربه بعد تذوق أول كأس ليحدد إن كان من نوع “الصالحين، عمي الحاج، ليالينا،” أو غيرها من الأنواع الموجودة في إدلب.

وترى نوال العلي من جبل الزاوية أن غلاء الأسعار حال دون قدرتها على شراء الشاي التي تصفه بطعام أطفالها الأول الذي تعتمد عليه في ظل الظروف الحالية، تقول إنها كانت تصنع طبقاً من الخبز والشاي لأطفالها، في كثير من الأحيان، لسد رمقهم، لتنهي حديثها معنا وهي تحوقل “حتى خبز وشاي ما ضل”.

لا تختلف طقوس شرب الشاي في سوريا بشكل كبير عن البلدان المجاورة، وتختلف أذواق السوريين في الشاي إذ يرغب بعضهم بإضافة حب الهال لكأس الشاي في حين يشربه آخرون مع القرفة أو النعناع، وهذا ما رفضه أبو بسام والذي يرى أن أي إضافة للشاي تفقده طعمه الأساسي “فالشاي شاي دون أي إضافات”.